️ لبنان في قلب العاصفة الثلاثية

منذ ساعتينآخر تحديث :
وجدي صادق
وجدي صادق

بقلم: د. وجدي صادق

ثلاثُ عواصفٍ تضربُ لبنان دفعةً واحدة، كأنَّ هذا الوطن الصغير قد كُتِب عليه أن يختبرَ أقصى درجات التحوّل في زمن تتكاثر فيه الأسئلة وتقلّ فيه الإجابات. عواصف سياسية وأمنية وإقتصادية تتناوب على المشهد، لا تنتظر هدنةً ولا تستأذن أحداً، بل تقتحم يوميات اللبنانيين وتعيد رسمَ توازنات ظنّ البعض أنّها إستقرت أو أستكانت. فهل يصمد المشهد السياسي في وجه هذا الإعصار الثلاثي، أم أنّ البلاد أمام مرحلة جديدة يتقدّم فيها المجهول على كلّ يقين؟

○العاصفة الأولى: إنفجار التناقضات السياسية… ليس خافياً أنّ السياسة في لبنان تتحرّك على حافة خطوط التماس القديمة، وأنّ التسويات التي أُبرمت بعد كلّ جولة ادإضطراب لم تكن أكثر من ضمادات تلتصق على جرح مفتوح. اليوم، تعود هذه التناقضات إلى الواجهة بقوة: صراعٌ على موقع الرئاسة، شدّ وجذب حول شكل الحكومة وصلاحياتها، وخلافٌ عميق على موقع لبنان في خريطة الصراعات الإقليمية. تتقدّم العناوين وتتراجع، لكنّ أصل المشكلة ثابت: غياب رؤية وطنية جامعة، تُعلِي المصلحة العامة فوق الحسابات الضيقة. وفي غياب هذه الرؤية، تصبح السياسة مجرّد لعبة عضّ أصابع ينتظر فيها الجميع لحظة إنكسار الآخر.

○العاصفة الثانية: الإهتزاز الأمني وتداعيات الإقليم… الحدود الجنوبية ملتهبة، والمشهد الإقليمي لا يهدأ. تتداخل ساحات المعارك، وتتكاثر الرسائل النارية التي تصِل إلى الداخل اللبناني، فتزيد هشاشة الإستمرار وتربك مؤسسات الدولة. ورغم الجهود الحثيثة لإحتواء التوتر وتحصين الخطوط، يبقى لبنان ساحةً مفتوحة للتجاذبات، يدفع ثمنها أمنياً في كلّ مرة تتقدّم فيها لغة السلاح على لغة السياسة. لكن الأخطر أنّ هذا الادإهتزاز الأمني يفيض على الداخل السياسي، فيعطّل الحوار، ويُربِك الحسابات، ويفرض على الطبقة السياسية إيقاعاً ليس من صنعها ولا من إرادتها.

○العاصفة الثالثة: ترسّخ الإنهيار الإقتصادي… في المقابل، يستمرّ الإنهيار الإقتصادي كأطول العواصف عمراً وأكثرها قسوة. تتآكل القدرة الشرائية، تتراجع الخدمات، وتعيش المؤسسات العامة على حافة الشلل. وما يزيد المشهد سوداوية أنّ الأزمة لم تعد حدثاً يُنتظر حلّه، بل أصبحت واقعاً يومياً يعيد تشكيل المجتمع اللبناني ويدفع آلاف العائلات إلى هوامش اليأس. وفي ظل غياب سياسات إنقاذية حقيقية، يتحوّل الإقتصاد إلى مرآة عاكسة لعجز الدولة وإنسجام السياسيين، فتتوسّع الهوّة بين الممكن والمتاح، وبين ما يجب فعله وما يُترَك للإهمال./ فهل يصمد المشهد السياسي؟ إنّ إجتماع هذه العواصف الثلاث في لحظة واحدة يضع لبنان عند مفترقٍ دقيق. فالمشهد السياسي، رغم صلابته الظاهرية وتاريخهِ الطويل في إمتصاص الصدمات، يقف اليوم أمام إختبار مختلف.

لم يعد يكفي تبادل الإتهامات ولا إدارة الوقت بإنتظار تسوية خارجية؛ المطلوب إرادة سياسية تُمسك بزمام اللحظة، وتعيد بناء الثقة بين الدولة ومواطنيها، وتفتح الباب أمام رؤية وطنية تنقل البلاد من إدارة الأزمات إلى صناعة الحلول. •لبنان، بطبيعته، بلدٌ لا يسقط. لكنه أيضاً بلدٌ لا ينهض من تلقاء ذاته. وبين هذا وذاك، يقف مستقبله معلّقاً على قدرة طبقته السياسية على قراءة الرياح قبل أن تتحوّل إلى إعصار لا يُبقي ولا يذر. فهل من يسمع نداء العاصفة قبل فوات الأوان.

*كاتب المقال: إعلامي لبناني.

الاخبار العاجلة