عصر الأمريكي وسقوط محور الإيراني

17 ديسمبر 2025آخر تحديث :
وجدي صادق
وجدي صادق

بقلم: د. وجدي صادق

تعيش المنطقة اليوم على وقع تحوّلات سياسية وأمنية غير مسبوقة، تبدو معها خرائط النفوذ وكأنها تُعاد صياغتها من جديد. فبعد سنوات من تمدّد المحور الإيراني عبر أجنحته العسكرية في لبنان واليمن وغزّة، تتجه المعادلة نحو إعادة تموضع واضحة، تجعل النفوذ الأمريكي وحلفائه في المنطقة في موقع أكثر ترجيحاً، بينما تتراجع فعالية الأدوات التي إعتمدت عليها طهران لترسيخ حضورها الإقليمي.

لقد شكّلت التنظيمات المسلّحة المرتبطة بالمشروع الإيراني”حزب الله الحوثي وحركة حماس”، أذرعاً متقدّمة للضغط السياسي والعسكري، وكانت جزءاً من لعبة الموازين التي استخدمتها طهران لفرض حضورها على طاولة الإقليم. لكن التطورات المتسارعة، من إستنزاف هذه القوى عسكرياً إلى إنكشاف هشاشة بنيتها اللوجستية والسياسية، تعكس تراجعاً تدريجياً في قدرة هذا المحور على التأثير كما كان في العقدين الماضيين.

لا يعني هذا السقوط أنّ المشروع إنتهى بالكامل، بل يُظهر حدود القوة عندما تنفصل الأدوات عن البيئة التي تحميها سياسيّاً وإقتصاديّاً. فالمشهد الإقليمي اليوم تحكمه شروط جديدة:؛، تحالفات أكثر صلابة، قيود دولية أشد، قدرات إقتصادية متراجعة لدى طهران، ومعادلات أمنية لم تعد تسمح بتوسّع غير مضبوط خارج حدود الدولة القومية. في المقابل، يظهر ما يمكن وصفه بـ «عصر الأمريكي» ليس بوصفه هيمنة مطلقة، بل كمرحلة تشهد إعادة تفعيل لنفوذ واشنطن عبر شبكات التحالفات التقليدية، والإستفادة من حاجة المنطقة إلى توازنات أكثر إستقراراً. فالولايات المتحدة، رغم كل التحديات، ما تزال اللاعب الأكثر قدرة على صياغة الإطار العام للسياسة الإقليمية، مستندةً إلى أدوات إقتصادية ودبلوماسية وعسكرية لا تزال تتفوّق على منافسيها.

إنّ المنطقة اليوم تقف فعلاً على مفارق التغيّر، حيث لم تعد أدوات الصراع كما كانت، ولا عاد النفوذ يُقاس بعدد الجبهات المفتوحة أو الصواريخ المنصوبة، بل بقدرة القوى على إدارة التحوّلات، وتقديم نماذج حكم وإقتصاد وسياسة تستجيب لمتطلّبات الشعوب والدول. ومع تغيّر قواعد اللعبة، تتغيّر مفاهيمها أيضاً:؛، من مركزية السلاح إلى مركزية الإستقرار، ومن حروب الوكالة إلى ضرورات التنمية، ومن نفوذ الأيديولوجيا إلى نفوذ المصالح. إنّ التحوّل الحاصل ليس لحظة عابرة، بل بداية لمرحلة جديدة تُعاد فيها صياغة التوازنات على أساس واقعية سياسية باردة، ينكفئ فيها المشروع الإيراني إلى الداخل، بينما يتقدّم الدور الأمريكي عبر بوابة التحالفات الإقليمية، وإعادة ضبط اللعبة السياسية بما يضمن إستمرار نفوذه في المنطقة لعقود قادمة.

*كاتب المقال: إعلامي لبناني.

الاخبار العاجلة