إذا كنت تخطط لزيارة المتحف المصري الكبير، فاستعد ليومٍ استثنائي لا يشبه أي جولة سابقة في متحف، فهنا لا تسير بين التماثيل فقط، بل تمشي داخل الزمن نفسه، فمنذ لحظة دخولك إلى الساحة الواسعة أمام البوابة الرئيسية، بين آلاف القطع الأثرية الممتدة على مساحة هائلة، تبدأ رحلتك لاكتشاف ما وراء الحجارة، وما يتركه هذا الصرح في النفس قبل العين.
رواية اسمها “مصر”:
على مشارف هضبة الأهرامات، يبدأ اليوم بالوصول إلى البوابة الشرقية للمتحف، حيث التنظيم الدقيق والممرات الواسعة التي تقودك نحو المدخل الرئيسي، ومنه يظهر تمثال رمسيس الثاني في قلب البهو العظيم كأول مشهد يستقبلك.
لا تتعجل في التقاط الصور قبل أن تتوغل بين تماثيل الملوك، فقط خذ دقيقة لتشعر بوقع المكان، فالإضاءة والفراغ جزء من التجربة، وفي الداخل احمل سماعة الهاتف معك لتتبع الجولة الصوتية الرسمية في تجربة غنية تضيف الكثير من المعلومات الدقيقة حول كل قطعة دون الحاجة إلى مرشد بشري، واستمتع بالقطع الأثرية التي نقلت بعناية من معابد مختلفة لتصنع مشهدًا يليق ببداية الرحلة.
يبدأ المسار الزمني للمعروضات، فكل قاعة تمثل حقبة مختلفة من التاريخ المصري القديم، من عصور ما قبل الأسرات حتى نهاية الدولة الحديثة. الشاشات التفاعلية تتيح لك التعرف على القطع بلمسة بسيطة، كما يمكنك الاستماع إلى شروح صوتية بعدة لغات، إذا كنت من هواة التفاصيل.
أكثر النقاط التي ينتظرها الزوار هي جناح الملك توت عنخ آمون، الذي يضم مجموعته الكاملة للمرة الأولى في مكان واحد، والقاعة مضاءة بطريقة مدروسة لتبرز روعة الذهب دون وهج مزعج، والموسيقى الخافتة تضيف لمسة من السحر الملكي.
يفضل زيارة هذه القاعة في الصباح الباكر أو قبل الإغلاق لتجنب الزحام والتمكن من مشاهدة التفاصيل الرفيعة لكل قطعة، خاصة القناع الذهبي الشهير وصندوق العرش المرصع بالأحجار الكريمة.
بعد الجولة المكثفة، حان وقت الراحة، في الطابق العلوي، يطل مقهى المتحف الزجاجي مباشرة على الأهرامات الثلاثة، ويُعد من أجمل نقاط الجلوس في المكان. جرب القهوة المصرية بنكهاتها الخاصة، أو اكتفِ بالنظر عبر الواجهة الشفافة لتتأمل التقاء الماضي بالحاضر في مشهد لا يتكرر، وهنا النصيحة الأهم خصص وقتًا للجلوس، فالمتحف ليس سباقًا للصور بل تجربة بصرية وروحية.
ولا تفوت زيارة منطقة التعليم التفاعلي المخصصة للأطفال والطلاب، حيث يمكن للزائر تجربة الكتابة الهيروغليفية أو تصميم الحلي المصرية القديمة، فالمكان يعكس فكرة جديدة عن المتاحف الحديثة لتكون مساحة للتعلم والاكتشاف لا مجرد عرض جامد للآثار، وفي المساء إذا حالفك الحظ بوجود عروض الواقع المعزز، فشارك في تجربة الزمن التفاعلي”التي تتيح لك رؤية الأهرامات وهي تُبنى أو مشاهدة الموكب الذهبي للملوك كما كان في الماضي.
وقبل المغادرة، لا تنسى أن تمر على الشرفة البانورامية المطلة على الأهرامات. هناك فقط تدرك المغزى الحقيقي من هذا المتحف: أن مصر لا تحفظ تاريخها في الصناديق، بل تضعه أمام الشمس ليراه العالم. وبين لحظة تأمل وأخرى، تخرج وأنت تشعر أنك لم تزر متحفًا فحسب، بل عشت فصلًا جديدًا من رواية اسمها “مصر”.














