دولة الإحباطات

منذ 4 ساعاتآخر تحديث :
وجدي صادق
وجدي صادق

بقلم: د. وجدي صادق

في هذا البلد، لا يكاد يمرّ يومٌ إلا ويزف إلينا بيان رسميّ جديد عن إحباط محاولة تهريب مخدرات، أو إحباط عملية تهريب هنا وهناك. دولة متيقّظة، عيونها مفتوحة، أجهزتها ساهرة… هكذا يريدون إقناعنا.

لكن، وسط هذا السيل من “الإنجازات”، يبرز سؤال فاضح لا جواب له: لماذا لم نسمع يوماً عن إحباط تهريب أموال المودعين؟ لماذا لم يُحبطوا سرقة أعمار الناس، وعرقهم، وودائعهم التي تبخّرت بين مصارف محميّة وسلطة متواطئة؟. الدولة التي تخصّصت بالإحباط، أحبطت كلّ شيء… أحبطت التهريب الصغير، وغضّت النظر عن النهب الكبير.

أحبطت شحنة مخدرات، ولم تُحبط شبكة فساد. أحبطت محاولة هنا، وسهّلت جريمة هناك. أما المواطن؟ فهو الإحباط بعينه. مواطنٌ محبط من دولة تحترف البيانات ولا تعرف العدالة، محبط من مسؤولين يتباهون بما يَظهر، ويصمتون عمّا يَفضحهم، محبط من نظام لا يستنفر إلّا حين لا تمسّ الجريمة جيوبه.

أموال المودعين لم تُهرَّب خلسةً في الليل، بل خرجت في وضح النهار، بقرارات رسمية، وتعاميم مريبة، وتواقيع “شرعية”، تحت سمع الدولة وبصرها… وربما برعايتها. أيّ دولة هذه التي تُحبط شحنة سمّ، ولا تُحبط سرقة وطن؟ أيّ سلطة هذه التي تحاسب الضعيف، وتحصّن القوي، وتطلب من الناس الصبر… بعد أن سرقت منهم الأمان؟ لقد تحوّلت الدولة إلى مصنع للإحباط، حتى أصبح المواطن محبطاً من إحباطاتها، ساخراً من إنجازاتها، فاقداً ثقته بكلّ خطاب رسميّ لا يبدأ بمحاسبة الفاسدين ولا ينتهي بإعادة الحقوق لأصحابها. فكفى متاجرةً بإنجازاتٍ إنتقائية، وكفى إستغباءً لعقول الناس.فالدولة التي لا تُحبط سرقة أموال مواطنيها، لا يحقّ لها أن تتباهى بإحباط أيّ شيء آخر.

*كاتب المقال: إعلامي لبناني.

الاخبار العاجلة