أزمة أخلاق!

آخر تحديث : الجمعة 21 يناير 2022 - 9:33 مساءً
 بقلم: حاتم عبد القادر
بقلم: حاتم عبد القادر

ما أكثر القضايا السياسية في عالمنا العربي وقارتنا الأفريقية، وتداعياتها المستمرة والتي تزداد سخونة يوما بعد آخر، ويحتار الكاتب عن أي قضية يكتب.

ولكن القضية الأهم التي استوقفت قلمي هي قضية الأخلاق، نعم، قضية الأخلاق.. فهل لدينا مشكلة في الأخلاق؟.. نعم لدينا مشكلة ومشكلة كبيرة في أخلاقنا، حتى صارت أزمة لا تنفك ولا حل لها إلا بإعادة تأهيلنا لاستعادة أخلاقنا الحميدة مرة أخرى.

أكتب هذا المقال وأنا أشعر بمرارة شديدة مما نراه ونسمع عنه كل لحظة من تدهور حاد وانحدار كبير في أخلاقنا التي صارت على عكس ما يفترض أن نكون عليه. فنبينا الكريم الصادق الأمين هو من قال “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”، ومكارم الأخلاق تكون في صفات الناس ومعاملاتهم بين بعضهم البعض، فيرحم الكبير الصغير ويعطف عليه، ويساعد القوي الضعيف ولا يستقوي عليه، ويبر الإبن والديه، ويحفظ الجار حق جاره وحق عورته ولا يتلصص عليه، ويستر الناس بكافة أنواعهم أسرار بعضهم البعض ويكتمون الفواحش بينهم لا يجاهرون بها ليوم يأتي فيه العرض على الخالق فهو وحده صاحب الحساب والعفو، فله حق العقاب أو المغفرة، وهو من قال في كتابه الكريم “إذا بليتم فاستتروا”.

واليوم، ماذا حدث لنا؟!.. ما هذه الفضائح التي تتوالى ويتسابق الجميع في نشرها في حكاياتهم في جلسات السمر في البيوت والمقاهي وربما أماكن العمل، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت، ومن قبل هذا تتبارى بعض الصحف والتليفزيونات في نشر تلك الفضائح، والتي كانت مقصورة في السابق على الفنانين والمسؤولين والمشاهير، أما اليوم فامتد الأمر إلى عوام الناس؛ بفضل صفحات التواصل الاجتماعي التي أسست – بفعل أصحابها غير الأسوياء – لنشر تلك الفضائح بشكل كبير كما تجري النار في الهشيم، بعد أن كانت في إطار ضيق ربما لا تخرج عن نطاق أصحابها، ولا يعبأ ناشري تلك الفضائح بما يطال عائلات الضحايا المنشورة فضائحهم على الرأي العام، والرأي العام لا يعنيه من قريب أو بعيد تلك الأخبار أو الفضائح ولا تعود عليه بالنفع أو الضرر، لأنها فضائح شخصية وليست فضائح من موظف عام أو مسؤول كبير يهم المجتمع كشف أمره لانعكاس الأمر على المصلحة العامة.

إننا اليوم أصبحنا في مستنقع عميق تدفن فيه الأخلاق الطيبة وتخرج منه الأخلاق السيئة لتصير هي وجهة المجتمع، بفعل قلة من الناس في حاجة إلى التقويم والتربية من جديد، ومن أجل هذا نحتاج إلى قوانين صارمة لحماية المجتمع وما تبقى لدينا من أخلاق طيبة.

انتشر في الأيام الأخيرة مقاطع فيديو لإحدى معلمات مدينة المنصورة بمحافظة الدقهلية في رحلة ترفيهية نظمتها نقابة المعلمين بالمحافظة إلى مدينة القاهرة، وأثناء تواجد المعلمين في إحدى المراكب النيليلة ضمن برنامج الرحلة قامت المعلمة بالرقص ( وفيه تجاوز مرفوض للأمانة)، وقام أحد الزملاء أو الزميلات بتصويرها خلسة ونشر الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، وتم تقديم شكوى في حق المعلمة من بعض زملائها، وعلى الفور أحالها وكيل وزارة التربية والتعليم بمحافظة الدقهلية إلى التحقيق، رغم أنها لم تكن داخل مدرسة تابعة للوزارة أو في مهمة عمل رسمية تابعة لجهة عملها، وانتشرت مقاطع الفيديو بسرعة البرق، وانهال عليها المجتمع الذي نصب نفسه واليا عليها، وتعرضت للنيل من نفسها وعرضها، حتى انتهى زواجها بالطلاق، وانكسار أولادها الذين خافوا من مواجهة المجتمع، وكان قد تم نقلها واتجاه بفصلها، لولا أن تدخل وزير التربية والتعليم في اللحظات الأخيرة وأصدر قراره بعودتها إلى عملها، وذلك بعد أن تحقق قانونا أن المعلمة لم ترتكب جرما مهنيا تستحق المعاقبة عليه.

وقبل واقعة معلمة المنصورة بأيام قليلة كانت واقعة انتحار الفتاة بسنت خالد (17 سنة) بسبب شاب أراد مصاحبتها، لكنها رفضت، وكان الحديث عبر تطبيق محادثات الفيسبوك، وراح الشاب في صنع صور مزيفة للفتاة في أوضاع مخلة وقام بنشرها وتوزيعها على عدد من أهالي القرية التابعة لمركز كفر الزيات بمحافظة الغربية وانتشرت في كل أرجاء القرية، حتى أن أسرة بسنت نفسها صدقت الروايات الشائعة وبدأت في معاقبتها؛ حيث أن الكلام عن ابنتهم يمس العرض، حتى استقر الحال بالفتاة إلى الانتحار بتعاطيها حبة الغلة المميتة، تاركة رسالة لأمها بأنها أشرف مما يدعي عليها أهل قريتها وأنها مازالت عفيفة.

وقائع كثيرة سبقت الواقعتين، وأدى الحال إلى خراب البيوت وتشردها وإلصاق العار بأصحابها، بالباطل مدى العمر.

وبعد أن كان باستطاعة الإنسان في السابق أن ينتقل للعيش في بلدة أخرى هربا من العار الذي يلاحقه وتجنبا لانكساره أمام المجتمع، أصبح الآن صعبا بعد انتشار الفضائح، على نطاق واسع، في كل مكان بفعل مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية (الصفراء) على شبكة الإنترنت.

إن ما حدث من معلمة المنصورة فعل يرفضه كل منا ولا نوافق عليه أبدا؛ لأنها خالفت ما تربت عليه في أسرتها من تقاليد وأصول يجب مراعاتها، ومن هنا فأسرتها هي الوحيدة المنوطة بتقويمها ومحاسبتها إزاء هذا الفعل، أما جهة العمل فلا ولاية عليها خارج حدود مكان العمل، علاوة على أنها لم ترتكب جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة، وإلا فكل من رقص في تجمع ترفيهي أو حفل زفاف أو مناسبة عائلية أو وطنية أو أمام بيته أو داخل بيته وجبت محاسبته ومقاضاته والحكم عليه بالعقوبة الملائمة، ولم نسمع عن ذلك حتى اللحظة! وقد كثر الرقص في مناسبات مجتمعية كثيرة مثل الاستحقاقات الانتخابية وهناك مئات الفيديوهات على شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي لبعض الناس وهم يرقصون، فرحا، أمام اللجان الانتخابية، ولم نسمع عن إدانتهم أو رفض مجتمعي كما حدث في واقعة معلمة المنصورة، ولم نسمع عن تحويل أحدهم للتحقيق داخل جهة عمله أو مقاضاته.

إن الستر فضيلة ومقصد من مقاصد الشريعة، وقد أمرنا الله به، لما له من فلسفة بعيدة لم تصل إليها أصحاب العقول الواهنة والنفوس المريضة.

ويمتد سوء الأخلاق في زماننا إلى أنواع عديدة كاتهام الناس في شرفهم وعرضهم وأمانتهم وغيرها مما يستحدثه “أهل السوء”، وساهم في تعظيم كل ذلك وسائل الاتصالات الحديثة التي ذكرناها آنفا، والأمثلة كثيرة ولا يسعها المقام هنا لذكرها. ولكن ما نقصده هو ألا يستهين الإنسان من بما ينشره على صفحته بمواقع التواصل الاجتماعي ويدرك أنه بمجرد نشر أخبار غير موثقة وغير حقيقية، أو حتى نشر خبر باتهام شخص ما لم تثبت إدانته (قضائيا) إدانة نهائية فهو شريك في جريمة التشهير به وبأسرته.

نحن بحاجة كبيرة إلى وقفة جادة لمراجعة أخلاقنا وتقويمها، ولن يتم ذلك إلا عن طريق عمل منظومي متكامل بالتعاون مع كل مؤسسات الدولة المسؤولة عن الأخلاق.

رابط مختصر
2022-01-21
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء اسرة العربي الأفريقي الالكترونية وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.

حاتم عبدالقادر