حربُ الإبادةِ المجاعيّة

آخر تحديث : الجمعة 22 مارس 2024 - 9:14 صباحًا
غير معروف

بقلم : الوزير السابق جوزف الهاشم

بين الموت ، والقهر والتشرّد والفقر ، والدموع والـذلّ والجوع ، يصبح الموتُ أرحم …

أخطرُ أنواع حروب الجـوع يشهدها العالم اليوم ، تكاد تضاهي ما كان في الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية .

ما يزيد على تسعين دولة ، تعاني شعوبها مأساة الجوع ، وأشدّها مضاضةً وبؤساً ، تلك التي تعمّ بعض العالم العربي : نازحون بالملايين تطاردهم نيران السلاطين ، يسكنون الخيام في العَـراء ، كالبدْوِ الرُحَّل ، فلا عشبَ ولا مـاء .

عندما يكون الخبزُ هو الحـدُّ الفاصل بين الموت والحياة ، يصبح الخبزُ هو المطلق الحياتي ، والمعبود المطلق ، والدين المطلق ، والرحمان الرحيم ، أليسَ أنّ الماركسية جعلت من إآـهِ الخبز ديناً للجياع ، ونوعاً من الإلحاد العقلي …؟

هل نستعرض ما شاعَ في بعض العالم ، وبعض العالم العربي بالأخصّ ، من مجازر دموية أصابتِ الشعوب في جوهر وجودها الكوني والتكويني ، وكأنّ نزعـة الحرب الغرائزية متأصلةٌ في النفوس ، حتى ولو أدَّت لعبة الشطرنج إلى مـوت الجميع منْ أجل أنْ يحيا الملك …؟

هناك سؤالٌ يُطرح ولا يُسمعُ تحت دوّي المدافع : لو أنّ الأموال الطائلة بملايين الملايين التي أُنفقَتْ على سلاح التدمير والهدم والتهجير ، قد استُعملت في سبيل العمران ورفاهية الإنسان ، أفما كان بعض العالم العربي الغارق في بحور الدم والصراعات الداخلية ، شبيهاً بما ارتقى إليه العالم العربي الآخر في دول الخليج …؟

معظمُ مجتمعات العالم العربي ، باتتْ تتشكَّلُ من طبقتين لا ثالثة لهما : طبقةُ الأكواخ وطبقةُ القصور ، ففي القصورِ مواسم وفي الأكواخِ مآتـم .

أما نحنُ في لبنان ، فقد أنقذنا الشغورُ من ويْـلِ القصور ، وما علينا إلاّ أنْ نعود إلى مجاعاتنا ، وما حكَّ جلدكَ مثلُ ظفركَ .

يـوم استفحلت مجاعة الحرب العالمية الثانية ، وسنة 1940 ، إختفى القمح من أسواق لبنان ، ولجأت الأفران إلى ما تيسَّر من خبـز الشعير ، فتعالت الصرخات تردّد : “بدْنا ناكل جوعانين” حتى أن أحد الزجّالين كتب :

طَعْميتونا خبز شعير شنهقنا أول شنهوقا

بكرا بتقوم الحمير وبتطالبنا بحقوقـا

ووسط تلك النكبة المعيشية والتظاهرات الصاخبة ، لم يكن أمام رئيس الوزراء عبدالله بينهم آنذاك إلاّ أنْ يحمل استقالته إلى الرئيس إميل إدّه قائلاً : “لم أعُـدْ أستطيع النظر إلى وجـوه أهلي في بيروت” .

ولما كان الرئيس إميل إده يعاني أيضاً مرارة النظر إلى وجـوه أهله كانت استقالة الإثنين معاً ، في مطلع نيسان 1941 .(1)

في المقارنة بين زماننا وزمانهم ، لا نرى واحداً من المسؤولين ينظر إلى وجـوه أهله الجياع إلاّ بعين الوقاحة العوراء .

جعلوا شعب لبنان العظيم متسّولاً …

سلبوا أموال اللبنانيين ، وبعد أموالهم شرفهم ، وبعد شرفهم ، جعلوهم يعانون الجـوع والفقر والـذل والظلم والظلمة وسائر أنواع المنايا ، وليس هناك لا “إدّه ولا “عبدالله”، ولا مَـنْ يخشى غضب الله الذي لم يخلق الإنسان لكي يُذلَّـه .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 – من كتاب بشارة الخوري – وليد عوض – الجزء الأول – ص : 235 – 236 .

*كاتب المقال: وزير لبناني سابق.

رابط مختصر
2024-03-22
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء اسرة العربي الأفريقي الالكترونية وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.

حاتم عبدالقادر